📁 آخر الأخبار

لأن السقطة تحدث في البيرسونا Persona...رواية السقطة و علم النفس

 لأن السقطة تحدث في البيرسونا Persona...رواية السقطة و علم النفس

لأن السقطة تحدث في البيرسونا Persona...رواية السقطة و علم النفس
 لأن السقطة تحدث في البيرسونا Persona...رواية السقطة و علم النفس

رؤية تحليلية كتبها /أبانوب اسحاق يوسف

مقدمة:

*يهدف كارل يونغ إلي إرساء هدف لكل فرد و هو عملية التفرد إذ ان تطور الحضارة من النواحي المادية هو أساس الحياة المعاصرة القائمة علي التفكير العقلاني و لم يصاحب هذا التطور تطور نفسي  يعطي للإنسان حصانة نفسية لمواجهة هذا العالم المتعقل حيث ان الإنسان كائن غريزي بقدر ما هو كائن عقلاني و تهدف عملية التفرد Individuation إلي حل صراعات الشعور(الوعي) و اللاشعور(اللاوعي) عن طريق إستحضار هذه الصراعات إلي واجهة الوعي

*و هو ما استوضحه ألبير كامو في روايته السقطة و التي تتحدث عن قاضي يعاني من تضارب في الشخصية و يدعي أنه جان كلامنس (يوحنا المعمدان) ، قاضٍ تائب و نبي مزيف يحاول الدفاع عن نفسه بتوضيح عالمنا المعاصر و مدي التضارب الذي يسببه المجتمع بسبب الصور المقدمة للأفراد و حقيقة الوجود الإنساني

*يقوم تصنيف كارل يونغ للروح Psyche علي العالم الخارجي و العالم الداخلي و الذي يتكون هذا الأخير من طبقات و تقاطعات تبدأ من الخارج باللاوعي الجماعي collective unconscious و محتواه هو الأركيتايبس او الأنماط الأولية Archetypes و يضم داخله اللاوعي الشخصي personal unconscious و مع الأنا الواعية Ego و الظل shadow يكونون ثلاثتهم صورة واضحة عن الذات Self و التي تهدف إلي الفصل و الحكم و إيجاد التوازن بين مناطق الروح و يتقاطع الظل مع مركبين نفسيين الأنيما و الأنيموس Anima- Animus و تتقاطع الأنا الواعية مع مركب نفسي هو الشخصية(بيرسونا) Persona

*و تكون أقرب الطبقات إلي العالم الخارجي هي اللاوعي الجماعي و البيرسونا و مركبي الأنيما و الأنيموس 

ما هي البيرسونا persona؟

*يمكن تعريف الشخصية علي أنها القناع  الذي تتخفي خلفه مناطق الوعي و الظل و تنشأ من مرحلة الطفولة عند ملاحظة الطفل السلوكيات و الأعراف المقبولة اجتماعياً التي عند تطبيقها يحصل الطفل علي مكأفاة او يتجنب عقاباً

اذا العوامل و الدوافع التي تساهم في تكون الشخصية هي:

1) إخفاء العيوب الشخصية

2) الإنخراط الإجتماعي

3) الإحساس بالهوية و الإنتماء

4) الرغبة و الحافز لعمل معين يحقق مصلحة

5) الصورة المقدمة من المجتمع للفرد عن نفسه

كلمة persona ترمز إلي أقنعة المسرح و التي تعبر عن أدوار الممثلين داخل العرض

متي تصبح البيرسونا خطراً علي الإنسان؟

*يعرف الفرد نفسه للجماعات المختلفة بزوايا مختلفة من شخصيته تتناسب مع كل مجموعة و تلاقي إستحساناً متوقعاً و يقوم الأفراد و الجماعات المختلفة بتعريف الإنسان إلي نفسه عن طريق افكار مثل الدين و العادات و التقاليد و الأعراف الأسرية و ملاحظات المعلمين و الأصدقاء و هو ما يخلق للإنسان صورة عن نفسه تحتمل الخطأ و كل هذا مقبول و لكن تبدأ المشكلة مع التضارب الناتج مع الوعي الشخصي الذي يتكون بمرور الوقت لهذه الصورة المزروعة و المتكونة و السمات الشخصية الأساسية للفرد و هنا يحدث ما يعرف تحطم القناع و التي ينتج عنها الأزمات الوجودية، إنعدام مطلق للفهم الذاتي و بداية تساؤلات ضرورية لإعادة بناء و تعريف الشخصية بما يهدف إلي زيادة تواصل الذات self مع الشخصية persona عن طريق الأنا الواعية و خلق صورة اكثر واقعية عن الشخص و تملك الأدوات التي تقدمها كل من الشخصية و الذات

*لكن و هناك دائما في كل شيء يمكن أن يعيش الفرد في حالة من التعريف الزائد للذات عن نفسها من خلال الشخصية

 “ overidentifing oneself with their own persona“

*اي يعيش الفرد في غياب كامل عن الإيجو دون وعي حقيقي للذات و هو ما فعله الراوي في الرواية حياة مترفة مشبعة بالتجارب الحسية دون الإعتبار لما هو أخلاقي، ما هو ضروري و خلق اعذار للتمسك بشهوة معينة و تقديم صورة مغايرة بل و المضي بقوة في تصديق هذه الصورة مما أدي الى حالة من التضارب و تعنت الراوي لنسيان هذا التضارب الذي كان عرضة لذكري إنتحار الشابة تلك الواقعة التي ظلت ملازمة له هي الزناد الذي يهدده علي الدوام يهدد بالتعري امام النفس يلاحقه حتي يقذف به في الماء البارد للنهر،، هو ظله الذي ظل يرافقه و يحوم حوله في صمت دائماً

عندما تنهار الشخصية امام التضارب و تبدأ الأزمة الوجودية يصبح أمام الإنسان ثلاث مسالك ليتخذها:

1) التعرف و إعادة التعريف أي إعادة بناء الشخصية علي الوقائع التي تم تقديمها لبناء صورة أكثر واقعية

2) إعادة الإقتباس و هي رفض الوقائع الحديثة و الإصرار علي التمسك بالشخصية التي إنهارت قبل الأزمة

3) غياب الشخصية و هي الإنعزال عن العالم الخارجي و رفض التعامل مع الشخصية سواء بالإيجاب او بالسلب

*و في الرواية قام الراوي بإتخاذ عدة مسالك أولها التمسك بالصورة الشخصية السابقة قبل حادثة إنتحار الشابة و بيان إزدواج الطبيعية البشرية و إزدواج مفاهيم الجمال و القبح و العدالة و هو ما نقاشه كامو في مسرحية كاليجولا ضعف النظم المجتمعية و الدينية في ترسيخ اي قيمة و عقيدة أخلاقية حقيقية

*و ثاني المسالك التي اتخذها الراوي و هي محاولة لإعادة تقديم شخصية مغايرة و لكن هذا المسعي فشل ايضا لأن الطبع الإنساني يمزج الفضيلة و الإعتراف بالضعف البشري بما يسمي بالحصافة و الأخلاقية الشديدة و لأن الحقيقة فعلا ان إتخاذ شخصية مغايرة لا يزيد علي تقديم الشخصية السابقة لأنه لا يُحدث فرقا فعليا في الإنسان فهو مجرد إدعاء آخر

*و ثالث المذاهب التي اتخذها كامو هو الإنعزال عن عالم القضاء و الإنغماس التام في الشهوات و البعد عن أضواء النجاح و وصف حالة من الخمول الروحي و هو ما يعاني منه إنساننا المعاصر عن طريق تعدد مصادر المتعة و البهجة السريعة كما أشار ألدوس هاكسلي في تحفته عالم جديد شجاع

*رابع المذاهب كان تحول بطلنا إلي القاضي التائب و هو شخصية قائمة علي النقد الذاتي و الإعتراف بالضعف البشري دون نية حقيقية إلي التغيير و دعوة أكبر عدد ممكن إلي دعوته الفوضوية و ذلك بأعادة رواية قصته الشخصية علي مسامع ضحاياه ليوضح مدي الفساد الإجتماعي الذي يبيح كل شيء وراء الستار و يقدم العدل لغير المستحق و يجبر الإنسان علي الراحة الصغيرة تلك الزنزانة التي تدرك فيها ان الحرية والعدالة هي ان تنام ممدا مرتاحاً و إجبار عالمنا الحديث للإنسان أما علي المقاومة ضد حداثته المفرطة علي الإنسان او الإنكسار و الخضوع لمطلبات غير معقولة و هنا رغم صدق بعض الحديث إلا ان الصورة التي تم إستخدامها من قبل بطلنا كانت صور إسقاط من ثم إعلاء، مجرد حيل نفسية

*إسقاط بطلنا كان من خلال تشبيه نفسه بيوحنا المعمدان الذي يطهر ضحاياه من زيف الحياة و ثانيهم هو محاولته الحصيفة بالطبع لتقليد المسيح المصلوب ليس لأجل فداء البشرية بل فقط لتخليص نفسه من ذنب مذبحة أطفال بين لحم الذي بحسب مزعمه ظل يلاحق المسيح و إيضاح ان موقف المسيح لم يكن إلا موقفا مشابها لموقف قاضينا التائب الذي حاول الحصول علي الرضي بالفضيلة لكنه قُبل بالكبرياء و الحسد و الرفض

*إعلاء بطلنا ما هو إلا تحور في النمط الأولي للبطل من مهرج Jester مخادع لا هدف له سوي التلاعب و المتعة الحسية إلي بطل Hero يهدف إلي ترك بصمة مزعومة عن طريق تحرير أكبر عدد من المفكرين و تحويلهم إلي أبطال و أنبياء مزيفين، قضاة تائبين،و من هؤلاء المفكرين سوي رواد الخمارات و هو في فلسفة كارل يونغ ما هو إلا هروب أخر من التوافق الحقيقي مع الذات و الذي يهدف إلي نبذ تلك الصور النمطية كتعريفات أساسية للفرد عن نفسه

هاملت و جان كلامنس:

*يستعرض كامو في الرواية موقف البطل النرجسي من الطبيعة الأنثوية حيث يظهر بطلنا في علاقته غير قادر علي الحب بل ما يبتغيه ما هو إلا التأكيد المستمر علي قوته و قيمته كشريك لا يطعم الحب إلا لكي يحافظ علي ضحيته، لا يريد لحياة ضحياه ان تزدهر إلا بوجوده، لا يريد لضحياه العيش من الأساس لكي يتألق هو، مثل هاملت و أوفيليا التي كان يمارس ألاعبيه و نكاته الباردة فقط ليثير جنونها، لكي لا تحيا سوي به، لكي تندفع مع النهر لتحصل علي الهدوء

*و هذا ما يظهر موقفاً مضطربا من البطل تجاه الأنيما Anima خاصته و الأنيما Anima في الذكر هي مركب نفسي يحمل في خصائصه كل الصفات الأنثوية التي يريدها الذكر و تساعد الذكر في حالة تواصله معها علي إكتساب التعاطف و قمعها يؤدي إلي أضطرابات سلوكية تصل إلي الإنتحار

*يحاول كامو من بداية الرواية و من خلال الرواية كجوهر حيث انها مونولوج أحادي من طرف البطل صوت واحد يحاول جاهداً جعل القاريء يبدأ في التسأول.

💬💬💬💬

المحرر
المحرر
تعليقات